ما يجري اليوم في القدس ليس بجديد ، فتهويد القدس هدف استراتيجي صهيوني منذ أن وطأت أرجل الصهاينة أرض فلسطين ، والسعي الصهيوني الدائم لهدم المسجد الأقصى لم يتوقف يوماً منذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين ، وبناء الهيكل المزعوم كان وما زال حجة الصهاينة في تكريس وجودهم على أرض القدس ، وهم ما فتأوا يحفرون ويخربون تحت المسجد الأقصى بحجة التفتيش عن هيكلهم الذي لا حقيقة له من أجل هدم المسجد الأقصى الذي يعني لدى المسلمين أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين ، وهم بذلك لا يخططون وإنما ينفذون ما خططوا له سابقاً من أجل إزالة الوجود العربي والإسلامي في أراضي القدس وجعلها خالصة لليهود الصهاينة ، ولا يختلف في ذلك صهيوني يميني متطرف عن صهيوني يساري مهادن ، فالصهاينة جميعهم سواء بالنسبة للقدس خاصة ولفلسطين عامة ، فأرض فلسطين في زعمهم ليست أرضاً فلسطينية ، ولم يقم فيها شعب اسمه الشعب الفلسطيني ، وهذا ما يزعم به اليوم داني أيالون نائب وزير خارجية العدو الصهيوني عندما كتب في مجلة وول ستريت جورنال بتاريخ 29/12/2009 يقول (وخلافا لما يعتقده البعض، لم تكن هناك قط دولة اسمها فلسطين، ولم تقم أية أمة على الإطلاق بتحديد أورشليم القدس عاصمة لها، رغم أنها كانت تحت السيطرة الإسلامية طوال مئات السنين. ) ، كلام ليس بجديد ، فهو الكلام الصهيوني القديم المتجدد والمستند إلى مقولة صهيونية باطلة كانت المنطلق الأساسي في إقامة المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين التاريخية ، وهي التي تقول : ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) ، فما يزعمه أيالون اليوم ، وما يمارسه الصهاينة من استيلاء على أراضي القدس وبيوت القدس وأحياء القدس وطرد الفلسطينيين المقدسيين منها ليس استراتيجية صهيونية جديدة ، وهم عندما يفتتحون كنيس أو يبنون هيكل فأنهم يريدون أن يقولوا لنا نحن العرب عامة والفلسطينيين خاصة أن ما بين الصهاينة وبين الشعب الفلسطيني هو قضية وجود على الأرض وليس قضية حدود ، وهم يقولون من خلال ممارساتهم اليومية على كل أرض فلسطين بأنه لا وجود على هذه الأرض سوى لشعب واحد هو ( الشعب اليهودي ) حسب زعمهم فيما إذا كانوا يشكلون شعباُ وقومية .
وأمام ما يفعله الصهاينة بشعبنا وبأرضنا نقف ليس بمتفرجين وإنما خاضعين لإيديولوجيتهم الصهيونية معترفين بهم كشعب مثل باقي الشعوب ، وكقومية مثل باقي القوميات ، ونصرّ على أنّ الصراع معهم صراع حدود ، فلذلك نرفع صوتنا كل يوم بأننا سنذهب إلى مجلس الأمن من أجل ترسيم الحدود ما بين فلسطين المحتلة عام 1948(أي الكيان الصهيوني ) وما بين أرض الضفة والقطاع ، أرض الدولة الفلسطينية التي بتنا نسميها دولة فلسطين ، أنهم يصرّون على إلغاء وجودنا التاريخي فوق أرضنا مقابل قبولنا نحن بالتخلى عن وجودنا فوق أرضنا ، معادلة صراع يتفق على مضمونها طرفي الصراع ولكنهما يختلفان على آلية التنفيذ .
وما يجري اليوم في القدس لا يعني أهل القدس فقط ، وإنما يعني كل الشعب العربي الفلسطيني وفي كافة أماكن وجوده بشكل خاص ، ويعني الأمتين العربية والإسلامية بشكل عام ، ومن هنا يتوجب على أبناء الشعب العربي الفلسطيني بكافة مكوناته السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن يتحمل مسؤوليته اتجاه العدوان المتجدد على القدس ، وتحمل المسؤولية ليس من خلال بيانات الشجب والتنديد والاستنكار والغضب ، بل من خلال تجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية ، ليس على أرض الضفة والقطاع وحسب ، وإنما تجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية بين كل أبناء الشعب العربي الفلسطيني وفي كافة أماكن تواجده في داخل الوطن وفي الشتات ، وهذا يتطلب منا أن نعيد الاعتبار لمدينة القدس الواحدة الموحدة التي هي عاصمة فلسطين التاريخية وليست عاصمة الدولة الفلسطينية ، بل جعل مؤتمر القمة العربية الذي سينعقد في ليبيا أواخر هذا الشهر هو مؤتمر القدس بحيث يصدر إعلاناً عن القمة العربية يعتبر القدس الواحدة الموحدة بكل أراضيها هي عاصمة الأمة العربية ، ليس عاصمة ثقافية وحسب ، وإنما عاصمة سياسية واقتصادية ومالية ، وبالتالي التعامل مع القدس على هذا الأساس ، وأن تصبح مدينة القدس باعتبارها عاصمة العرب هي المقر الدائم لجامعة الدول العربية ، ومقراً لكافة المنظمات العربية ، وهذا يتطلب من الفلسطينيين أولاً ومن العرب ثانياً العودة إلى أبجدية الصراع مع العدو الصهيوني بأنه صراع على وجود ، وبأنه صراع بين الشعب العربي الفلسطيني كطليعة للأمة العربية من جهة وبين الحركة الصهيونية رأس الحربة الاستعمارية من جهة ثانية، وبأن محل الصراع هو أرض فلسطين التاريخية ، ودحض مقولة الصهاينة بأنّه لا يوجد فلسطين ولا شعب فلسطين ، والتأكيد على حق الشعب العربي الفلسطيني التاريخي على أرضه دون أن ينازعه أو يشاركه في هذا الوجود أحد أياً كانت صفته .
فالمطلوب اليوم وبشكل ٍ مسؤول ٍ وجاد هو تحرير الإرادة العربية من التبعية الخارجية والجرأة في اتخاذ القرار الذي يوًحد الأمة العربية في موقفها السياسي وذلك بدءاً من إلغاء المبادرة العربية للسلام ووضع استراتيجية حماية المصالح العربية موضع التنفيذ وفي مقدمتها حماية مصالح الشعب العربي الفلسطيني في حقه الكامل بالعودة إلى أرضه التي طرد منها عام 1948وحقه في تقرير مصيره وإقامة دولة فلسطين الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني ، لأنّ كلّ السياسات التي جربها العرب والفلسطينيون لم تحقق شيئاً بل جعلت العدو الصهيوني يشهر كلّ أسلحته في وجهنا ، وما يفعله الصهاينة اليوم إنما هو تأكيد على أنّ ما يجري في القدس هو صراع وجود لا صراع حدود .